
فرض السلام بالقوة : الحامل التاريخي والفعل المعاصر .
علي فضّة
من على منبر الكنيست، لم يكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوّل من استخدم عبارة “فرض السلام بالقوّة”؛ فهي مقولة ذات جذورٍ تاريخيّةٍ عميقة تعود إلى عصورٍ سابقة، استخدمها أباطرة وإمبراطوريات قبل زمنه بكثير.
الخلفية التاريخية للمفهوم تاريخيًّا، يُنسب أوّل استخدام لهذا الشعار إلى الإمبراطور الروماني هارديان، الذي واجه قبائل “بكتاش” في إسكتلندا. كان هارديان يهدف إلى تحديد حدود إمبراطورتيه، فأنشأ سورًا أصبح رمزًا لسياسة القوّة والردع ولم ينجح. وبالمنطق ذاته، شكّل صاروخ “إم إكس” في سبعينيات القرن الماضي رمزًا حديثًا لذات الفكرة – أي استخدام أدوات الردع والهجوم العسكري كضمانٍ للسلام.
لاحقًا، تبنّى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان المفهوم نفسه في سياق ما عُرف بـ “السلام الأمريكي”، مؤكّدًا أنّ الحفاظ على السلام لا يتحقّق إلا من خلال امتلاك القوّة واستخدامها عند الحاجة.
أما دونالد ترامب، فقد كان أكثر وضوحًا في تطبيق هذا المبدأ، لاسيّما في منطقة الشرق الأوسط، حين خاطب من على منبر الكنيست أبناء “القوّة الأمريكية” في فلسطين المحتلّة.لقد جاء خطابه في أعقاب مرحلةٍ وُصفت بأنها “حرب العصر”، حيث نفّذت آلة القتل الأمريكية عملياتٍ جماعيّةٍ بأيدٍ إسرائيلية، تحت مظلة “القوّة”، متذرعةً بأنها طريقٌ نحو “السلام”.
وهنا يثور التساؤل: أيّ سلامٍ يمكن أن ينبثق عن الغلوّ في استخدام القوّة؟
تناول برنارد باروخ – مستشار الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت لشؤون الحرب العالمية الثانية – هذا المبدأ في كتاب حمل العنوان ذاته: “فرض السلام بالقوّة”. وقد أثار المفهوم منذ ذلك الحين جدلاً واسعًا بين المفكرين والسياسيين، غير أنّه لم يُغيّر من طبيعة العلاقة بين مفهومي “السلام” والقوة”، ولا من النتائج المترتّبة على تطبيقه.
الانعكاس الفلسطيني للمبدأ في السياق الفلسطيني
تعامل العالم مع خطوات ترامب وفقًا لاختلاف مصالحه وتفسيراته. لكن من المفيد استحضار بعض الوقائع التاريخية المتصلة بهذا النهج. فعندما اختار ياسر عرفات طريق “أوسلو”، كان ذلك نتيجةً لتأثير قوّةٍ غير مباشرة شلّت الموقف العربي حينها، وأغلقت أبواب الدعم للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، لم يتخلَّ عرفات عن فكرة المقاومة بعد ادراكه وتحسسه ان الضامن الامريكي منحاز وان الاسرائيلي كاذب، لذا أعاد دعم فكرة المقاومة عبر حركة “حماس” بعد تأسيسها كجزءٍ من مفهوم مزدوج جمع بين السلام إن وجد والمقاومة كضرورة حتمية.
من هنا، يجدر بنا أن نترك التأويلات المرتبطة بتوظيفات الماضي، وأن نترقّب كيف سيتعامل المستقبل مع هذه المبادئ ومآلاتها.
في لبنان …
بعد حرب الستة وستين يومًا، وما سبقها من حرب الإسناد، برزت القوّة الأمريكية لتفرض شروطها السياسية والعسكرية. ورغم وضوح الرسالة، فإنّ تأويلها اختلف بين تيارات المقاومة التي لجأت إلى البراغماتية التكتيكية في التفاوض، وبين قوى أخرى رأت في التراجع خطوةً إلى الوراء بعد التفوّق الأمني الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا.وفي مقابل ذلك، سادت لدى بعض الأطراف نشوة تفوّقٍ مؤقّتة دفعتهم إلى استغلال لحظة انكفاء المقاومة كإشارةٍ إلى الهزيمة، في حين كانت تلك خطوةً تكتيكية محسوبة.
لم تكن الاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل ضدّ قادة ورموز المقاومة أحداثًا عرضية، بل تركت أثرًا عميقًا على مسار الصراع. كما أن التحوّلات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة – وخصوصًا ما جرى في سوريا – شكّلت ما يمكن وصفه بـ حبة الكرز فوق كعكة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، إذ أطلقت مسارًا جديدًا يقوم على احتكار السلاح وتبرير السلام المفروض بالقوّة.
لا يمكن إنكار التحوّلات الكبيرة في المنطقة، ولا دفن الرؤوس في الرمال اتباعًا لسياسة “النعامة”. إنّ الشرق الأوسط يعيش مرحلة إعادة تشكّل في ظلّ عنجهية إسرائيلية، ومسايرة عربية ودولية، ومرحلة “ترامبية” تحاول إعادة تعريف موازين القوى.
لكن هذا لا يمنعنا من طرح يبقى سؤال مركزي هل يمكن للتسويات أن تُعيق الأيديولوجيات؟ إنّ مراقبة المسار الراهن تُظهر أنّ المستهدَفين من القوّة الأمريكية يتفاعلون مع الأحداث بمرونةٍ براغماتية، إدراكًا لسنّة “الإقبال والإدبار”.
وربّما يكون مسلك المسار الذي يُروَّج له اليوم مجرّد مناورة تفاوضية دقيقة في استراتيجية أوسع، تقول إنّه: “عليك أن تنحني أمام العاصفة، فهي لا بدّ أن تمرّ، وبعد أفولها تكون قد حافظت على نفسك دون أن تنكسر.”
اذًا الحامل التاريخي لهذا “المبدأ” لم يكن موفقًا، لان السلام بالمفهوم الأمريكي المفروض بقوتها، ليس سلامًا، بل استسلامًا وهذا يضع حركة التاريخ امام اعادة انتاج دورية لرافضي فكرة السلام كتأويل إستسلامي، سون تنزو يقول ”لا يمكنك عقد صلحٍ مع نمر جائع، فأنت لست ندًا له، بل وجبة على قائمة طعامه“ أما القوّة ببعدها الأخلاقي العادل من الممكن ان تصنع سلامًا، لكنه مؤكد لن يكون على الطريقة الامريكية، لذا اعتقد انه ربما علينا ان نفكّر بالمبدأ بتمعن لكن من زاوية اخرى؛ هو ان القوة حاجة وفرض السلام بوجود النوايا “ان كانت بالفعل موجودة” ينطلق منها كفعل عادل لشعوب مقهورة، غير ذلك التاريخ يقول ان كثر من سيظهرون على اجناب السالكين مسلك الامريكي وطبيعته الفكرية بمقاربة القضايا.
مؤسس مركز كلمة والبحوث الجيوسياسية